للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تلك النجوم، وبحْرهُ طَمَّ تِلكَ الغُيُوم، ففَاءَتْ سُمْرَتُه على تلك التلاعِ، وأطلَّتْ قَسورتُه على تلك السِّبَاعِ، ثُمَّ عُبِّئَتْ له الكتائبُ فحَطَّمَ صفوفَها، وخَطَمَ أُنوفَها، وابتلَعَ غَدِيرُهُ المطمئنُّ جَداولَها، واقتلَعَ طَوْدُهُ المُرْجَحِنُّ جَنَادِلَها، وأخمدتْ أنفاسَهم رِيحُه، وأكْمَدَت شَرَاراتِهم مصابِيحُه:

تَقدَّمَ راكبًا فيهم إمامًا ... ولولاه لما رَكِبُوا وَراءَا

فجَمعَ أشْتَاتَ المذاهب، وشُتَّاتَ المذاهب. ونَقَلَ عن أئمةِ الإجماعِ فمَنَ سِواهم مذاهبَهم المختلفةَ واستَحْضَرَها، ومَثَّل صُوَرَهم الذاهبةَ وأحْضَرها، ولو شعَرَ أبو حنيفةَ بزَمانِه ومَلَكَ أمرَه لأدْنَى إليه عَصْرَهُ مُقترِبًا، ومالكٌ لأجْرَى وراءَه أشْهَبَهُ ولو كَبَا، أو الشَّافعيُّ لقالَ: ليتَ هذا كَانَ لـ الأمِّ وَلَدًا ولَيتَني كنت له أبَا، أو الشيبانيُّ ابنُ حنبلٍ لما لامَ عِذَارَه إذا غَدا منه لفَرْطِ العَجبِ أشيبا.

لَا بل داودُ الظاهريُّ، وسِنَان الباطنيُّ لظَنَّا تحقيقَه من مُنْتَحَلِه، وابنُ حَزْمٍ والشَّهْرِستانيُّ لحَشَرَ كلٌّ منهما ذِكرَه أمَّة في نِحَلِه، والحاكمُ النَّيسابوري والحافظ السِّلَفي لأضافَه هذا إلى «استدراكِه» وهذا إلى «رِحَلِه»، تَرِدُ إليه الفتاوى ولا يردّها، وتَفِدُ عليه فيُجِيب عنها بأجوبة، كأنَّهُ كَانَ قاعدًا لها يُعِدُّهَا.

أبدًا على طَرَفِ اللسانِ جوابُه ... فكأنَّما هي دَفعةٌ مِن صَيِّبِ

يَغدُو مُسَاجلُه بغُرَّةِ صافحٍ ... ويَرُوحُ مُعتَرِفًا بذلَّةِ مُذْنِب

ولقد تَضَافَرتْ عليه عُصَبُ الأعداءِ فَأُقْحِمُوا إذْ هَدَرَ فَحْلُه، وأُفْحِمُوا إذ زَمزَمَ ليجني الشهَد نَحْلُه، ورُفِعَ إلى السُّلطانِ غيرَ مَا مَرَّةٍ، ورُمِيَ بالكبَائِر،

<<  <   >  >>