للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتُرُبِّصَتْ به الدَّوائِرُ، وسُعِيَ به ليُؤْخَذَ بالجَرائِر، وحَسَدَه مَن لم يَنَل سَعْيَه وكثر فَارتَابَ، ونَمَّ وما زادَ على أنَّه اغتابَ، وأُزْعِجَ من وَطنِه تارةً إلى مِصْرَ، وتارة إلى الإسكندريّة، وتارةً إلى محبس القَلْعَةِ بدمَشْقَ، وفي جميعها يُودَعُ أخْبِيةَ السُّجونِ، ويُلْدَغُ بزنَابى المَنُونِ، وهو على علمٍ يُسَطِّرُ صُحُفَه، ويَدَّخِرُ تُحَفَه، وما بينه وبين الشيء [إلا أن يصنفه] ويُقرِّط به ولو سَمْعَ امرئٍ واحدٍ ويُشَنِّفَه، حتَّى تسْتَهديَ أطرافُ البلادِ طُرَفَه، ويَسْتَطلعَ ثَنايا الأقاليم شُرَفَه، إلى أنْ خَطَفَتْه آخرَ مَرَّةٍ من سِجْنِه عُقَابُ المنَايا، وجذبته إلى مَهْوَاتِها قرارةُ الرَّزايَا، وكَانَ قبلَ مَوتِه قَد مُنِعَ الدَّواةَ والقَلَم، وطُبِعَ على قلبه منه طابعُ ألَمِ، وكان مبدأُ مَرَضِه ومَنْشَأ عَرَضِه، حتَّى نزلَ قِفارَ المقابر، وتركَ فِقَارَ المنابِر، وحَلَّ بساحة تُربِه ومَا يُحاذِر، وأخذَ راحةَ قَلبِه من اللائِم والعاذِر.

وقد كتب الشَّيخ العلَّامة كمال الدِّين بن الزَّماكاني بخطه على كتاب «إبطال التحليل» للشيخ ترجمة الكتاب، واسم الشَّيخ، وترجم له ترجمةً عظيمة، وأثنى عليه ثناءً عظيمًا، وكتب أيضًا تحت ذلك:

ماذَا يَقُوْلُ الوَاصِفُونَ لَهُ ... وصِفَاتُهُ جَلَّتْ عن الحَصْرِ

هُوَ حُجَّةٌ للهِ قَاهِرَةٌ ... هو بَيْنَنَا أُعْجُوْبَةُ الدَّهْرِ

هو آيةٌ للخَلْقِ ظَاهِرَةٌ ... أنْوارُها أُرْبَتْ على الفَجْر

وللشيخ أثير الدِّين أبي حيَّان الأندلسي النَّحوي: لمَّا دخل الشَّيخُ مصرَ واجتمع به:

لمَّا رأينا تقيَّ الدِّين لاحَ لنا ... داعٍ إلى اللهِ فرْدًا ما لَه وَزَرُ

على مُحَيَّاهُ من سِيْمَا الأُلَى صَحِبُوا ... خيرَ البريَّةِ نورٌ دونَه القَمَرُ

حَبْرٌ تَسَرْبَلَ منه دَهرُه حِبَرًا ... بَحرٌ تَقَاذَفُ مِن أمواجه الدُّرَرُ

<<  <   >  >>