للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وغالبُ حطِّه على الفضلاء والمتنزهّدة فبحق، وبعضُه هو مجتهد فيه، ومذهبه توسعة العذر للخلق، ولا يكفِّر أحدًا إلَّا بعد قيام الحجّة عليه.

وقد قام على الشَّيخ خلق من علماء مصر والشام قيامًا لا مزيد عليه، وبدَّعوه وناظروه وكابروه، وهو ثابتٌ لا يداهن ولا يحابي، بل يقول ما أدَّاه إليه اجتهاده وحدّةُ ذهنه وسعة دائرته، فجرى بينه وبينهم حملات حربية، ووقعات شامية ومصرية، وكم من نوبة قد رمَوْه فينجيه الله، فإنّه كَانَ دائم الابتهال، كثير الاستعانة، قويَّ التوكل، وكان له عصبة يحبُّونه من العلماء والصُّلحاء والجند والأمراء والتّجار والكبراء والعامة.

وأما شجاعته فبها تُضرب الأمثال، وببعضها يشتبه أكابر الأبطال، ولقد أقامه الله تعالى في نوبة غَازَان، والتقى أعباءَ الأمر بنفسه، وقام، وقعد، وطلع، وخرج، واجتمع بالملك غازان مرتين وبخطلوشاه وبُولاي، وكان قبجق يتعجب من إقدامه وجرأته، وله حدة قوية تعتريه في البحث، حتَّى كأنه لَيثٌ حَرِب وكان - رحمه الله - فيه قلة مداراة، وعدم تؤدة غالبًا، وله إقدام وشهامة، وقوة نفس، توقعه في أمور صعبة، فيدفع الله عنه، وله نظم قليل، ولم يتزوّج ولا تسرّى، ولا له من المعلوم إلَّا شئ قليل، وكان كريمًا فارغًا عن الدّينار والدِّرهم، وفيه مروءة وقيام مع أصحابه، وسعي في مصالحهم، وهو فقير لا مال له، وملبوسه كآحاد الفقهاء فَرَجِيَّة، ودَلَق، وعمامة تكون قيمته ثلاثون درهمًا، ومداس ضعيف الثمن، وشعره مقصوص، وهو رَبْع القامة، بعيد ما بين المنكبين، كأنّ عينيه لسانان ناطقان ويصلِّي بالناس صلاةً لا يكون أطولُ من ركوعها ولا سجودها، ولم ينحن لأحد قطُّ، وإنما يسلِّم ويصافح ويبتسم.

<<  <   >  >>