للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد سافر مرَّة على البريد إلى الديار المصرية يستنفر السُّلطان عند مجيء التتار سنةً من السنين، وتلا عليهم آيات الجهاد، وقال: إن تخليتم عن الشَّام ونصرة أهله والذَّب عنهم فإنَّ الله تعالى يقيم لهم من ينصرهم غيركم، ويستبدل بكم سواكم. وتلا قوله تعالى: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد: ٣٨].

وقوله تعالى: {إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ} [التوبة: ٣٩].

وبلغ ذلك الشَّيخ تقي الدِّين بن دقيق العيد ــ وكان هو القاضي حينئذٍ ــ فاستحسن ذلك، وأعجبه الاستنباط، وتعجب من مواجهة الشَّيخ للسُّلطان بمثل هذا الكلام.

وأما مِحَنُ الشَّيخ: فكثيرة، وشرحها يطول، وقد نقلها المؤرخون ودوّنوها، وقد اعتقله مرّة بعضُ نواب السُّلطان بالشام قليلًا، بسبب قيامه على نَصْراني سَبَّ الرَّسولَ - صلى الله عليه وسلم -، واعتقل معه الشَّيخ زين الدِّين الفارقي، ثمَّ أطلقهما مكرمين، وقد شُنِّع عليه غيرَ مرّة بسبب أحاديث الصِّفات.

ثمَّ امتحن سنة خمس وسبعمائة بالسُّؤال عن معتقده بأمر السُّلطان؟ فجمع نائبه القضاة والعلماء بالقصر، وأحضر الشَّيخ، وسأله عن ذلك، فبعث الشَّيخ فأحضر من داره «العقيدة الواسطية» فقرؤوها في ثلاثة مجالس، وحاقَقُوه، وبحثوا معه، ووقع الاتفاق بعد ذلك على أَنَّ هذه عقيدة سُنيَّة سلفيّة، فمنهم من قال ذلك طوعًا، ومنهم من قاله كرها، ثمَّ تعصَّب جماعة من المصريين منهم بيبرس الشَّشْنَكير الَّذي تسلطن بعد ذلك وغيره من

<<  <   >  >>