للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والحَنْبلية وإفتاء النَّاس.

ثمَّ في سنة ثماني عشرة ورد كتابٌ من السُّلطان بمنعه من الفتوى في مسألة الحلف بالطّلاق بالتكفير، وعقد له مجلس بدار السّعادة، ومنع من ذلك.

ثمَّ في سنة تسع عشرة عقد له مجلس أيضًا كالأول وانفصل على تأكيد المنع، ثمَّ عقد له مجلس ثالث بسبب ذلك وحبس بالقلعة ثمَّ حبس لأجل ذلك مرَّة أخرى، ومنع بسببه من الفتيا مطلقًا فأقام مدة يفتي بلسانه، ويقول: لا يَسَعُني كتمُ العلم، وفي آخر الأمر تكلّموا معه في مسألة المنع من السَّفر إلى قبور الأنبياء والصّالحين وأفتى قضاة مصر الأربعة بحبسه، فحبس بقلعة دمشق سنتين وأشهرًا. وبها مات - رحمه الله -.

وقد بين أنَّ ما حُكم عليه به باطل بإجماعِ المسلمين من وجوه كثيرة جدًّا، وأفتى جماعةٌ بأنه مخطئ في ذلك خطأ المجتهدين المغفور لهم، ووافقه جماعة من علماء بغداد وغيرهم، وكذلك ابنا أبي الوليد شيخ المالكية بدمشق أفتيا أنَّه لا وجه للاعتراض عليه فيما قاله أصلًا، وأنَّه نقل خلاف العلماء في المسألة، ورجَّح أحد القولين فيها، وبقي مدَّة في القلعة يكتب العلمَ ويصنفه، ويرسل إلى أصحابه الرسائل، ويذكر ما فتح الله به عليه في هذه المرة من العلوم العظيمة، والأحوال الجسيمة، وقال: قد فتح الله عليّ في هذا الحصن في هذه المرة من معاني القرآن، ومن أصول العلم بأشياء، مات كثير من العلماء يتمنّونها، ثمَّ إنَّه منع من الكتابة، ولم يُترك عنده دواةٌ ولا قلمٌ ولا ورقٌ، فأقبل على التّلاوة والتهجُّد والذّكر، وقال مرة: ما يصنع أعدائي بى؟ أنا جنَّتي وبستاني في صدري، أين رحت فهي معي لا تفارقني، أنا حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلادي سياحة.

<<  <   >  >>