للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الإسكندرية على البريد، وحبس بها في برجٍ حسن متَّسع مضيء، يدخل عليه من شاء ويمنع هو من شاء، ويخرج إلى الحمَّام إذا شاء. وبقي في الإسكندرية مدة سلطنة المظفَّر، وكانت أحد عشر شهرًا، فلما عاد الملك النّاصر محمدَّ ابن قلاوون وكان دخوله إلى القاهرة وجلوسه على سرير ملكه بعد العصر من نهار الأربعاء مستهل شوّال سنة تسعٍ وسبع مئة، وتمكن، وأهلك المظفّر، وخمد شيخُه نصر المنبجي، واشتد غضب السُّلطان على القضاة لمداخلتهم المظفر وعزل بعضهم، بادر بإحضار الشَّيخ إلى القاهرة مكرمًا في شوّال سنة تسع وسبع مئة وأكرمه إكرامًا زائدًا وقام إليه وتلقّاه في مجلس حفل فيه قضاة المصريين والشاميين والفقهاء وأعيان الدّولة، وزاد في إكرامه، وبقي يُسَارّه ويستشيره، وأثنى عليه بحضورهم ثناءً كثيرًا، وأصلح بينه وبينهم، ويقال: إنَّه شاوره في أمرٍ هَمَّ به في حقّ القضاة فصرفه عن ذلك، وأثنى عليهم، وأنّ ابن مخلوف المالكي كَانَ يقول: ما رأينا أفتى من ابن تَيْميَّة، سعينا في دمه فلمّا قدر علينا عفا.

وسكن الشَّيخ بالقاهرة، والناسُ يتردّدون إليه والأمراء والجند وطائفة من الفقهاء وفيهم من يعتذر إليه ويتنصّل مما وقع، وهو في هذه المدّة يقرئ العلم، ويجلس للناس مجالس عامة.

ثمَّ قدم إلى الشَّام هو وأخواه سنة اثنتي عشرة بنيَّة الجهاد لمّا قدم السُّلطان لكشف التتر عن الشَّام فخرج مع الجيش، وفارقهم في عسقلان وزار البيت المقدَّس، ثمَّ دخل دمشق بعد غيبته عنها فوق سبع سنين ومعه أخواه وجماعة من أصحابه، وخرجَ خلقٌ كثير لتلقيه، وسُرَّ النَّاس بمقدمه، واستمر على ما كانَ عليه أولًا من إقراء العلم وتدريسه بمدرسة السُّكريّة

<<  <   >  >>