للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكان يومًا مشهودًا لم يعهد بدمشق مثله، ولم يتخلّف من أهل البلد وحواضره إلَّا القليل من الضُّعفاء والمُخدَّرات، وصرخ صارخ: هكذا تكون جنائز أئّمة السُّنّة.

فبكى النَّاس بكاءً كثيرًا عند ذاك؛ وأُخرجَ من باب البريد، واشتدَّ الزّحام، وألقى النَّاسُ على نعشه مناديلهم وعمائمهم، وصار النّعش على الرّؤوس يتقدّم تارة ويتأخّر أخرى، وخرج النَّاس من أبواب الجامع كلّها، وهي مزدحمة، ثمَّ من أبواب المدينة كلها، لكن كَانَ المعظم من باب الفرج، ومنه خرجت الجنازة، وباب الفراديس، وباب النّصر، وباب الْجابية، وعظم الأمر بسوق الخيل، وتقدّم في الصلاة عليه هناك أخوه زين الدِّين عبد الرَّحمن.

ودفن وقت العصر أو قبلها بيسير إلى جانب أخيه شرف الدِّين عبد الله بمقابر الصوفية، وحُزِر الرّجالُ بستين ألفًا، أو أكثر إلى مائتي ألف، والنساء بخمسة عشر ألفًا. وظهر بذلك قول الإمام أحمد - رضي الله عنه -: «بيننا وبين أهل البدع يوم الجنائز».

وختم له ختمات كثيرة بالصّالحية والمدينة، وتردَّد النَّاسُ إلى زيارة قبره أيّامًا كثيرة ليلًا ونهارًا، ورئيت له منامات كثيرة صالحة. ورثاه خلق من العلماء والشعراء بقصائد كثيرة من بلدان شتى وأقطار متباعدة، وتأسَّف المسلمون لفقده ــ رحمه الله تعالى وغفر له ــ وصُلِّي عليه صلاة الغائب في غالب بلاد الإسلام القريبة والبعيدة، حتَّى في اليمن والصِّين، وأخبر المسافرون: أنَّه نُودي بأقصى الصِّين للصلاة عليه يوم جمعة: «الصَّلاةُ علة تَرْجُمَان القرآن».

وقد أفرد الشَّيخ الإمام العلَّامة المتقن المحقِّق بحر العلوم شمس الدِّين

<<  <   >  >>