وعلى طرف لسانه بعبارة رشيقة، وكان آية من آيات الله في التفسير والتوسع فيه. وأما أُصول الديانة ومعرفة أقوال المخالفين فكان لا يُشق غبارة فيه.
هذا؛ مع ما كَانَ عليه من الكرم والشَّجاعة، والفراغ عن ملاذ النفس. ولعل فتاويه في الفنون تبلغ ثلاثمائه مجلد، بل أكثر. وكان قوَّالًا بالحق، لا تأخذه في الله لومة لائم. ثمَّ قال: ومن خالطه وعرفه قد ينسبني إلى التقصير فيه. ومن نابذه وخالفه قد ينسبني إلى التغالي فيه. وقد أُوذيت من الفريقين من أصحابه وأضداده.
وكان أبيض، أسود الرأس واللحية، قليل الشيب، شعره إلى شحمة أُذنيه، كأنّ عينيه لسانان ناطقان، رَبْعة من الرجال، بعيد ما بين المنكبين، جهوري الصوت، فصيحًا سريع القراءة. تعتريه حدّة لكن يقهرها بالحلم.
قال: ولم أر مثله في ابتهاله واستعانته بالله وكثرة توجهه. وأنا لا أعتقد فيه عصمة، بل أنا مخالف له في مسائل أصلية وفرعية؛ فإنه كَانَ مع سعة علمه، وفرط شجاعته وسيلان ذهنه وتعظيمه لحرمات الدِّين بشرًا من البشر، تعتريه حِدّة في البحث وغضب (١) وصدمة للخصوم، تزرع له عداوة في النفوس. ولولا ذلك لكان كلمة إجماع فإن كبارهم خاضعون لعلومه، معترفون بأنه بحر لا ساحل له، وكنز ليس له نظير. ولكن ينقمون عليه أخلاقًا وأفعالًا. وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك. قال: وكان محافظًا على الصّلاة والصّوم، معظمًا للشرائع ظاهرًا وباطنًا، لا يؤتى من سوء فهم؛ فإنَّ له الذكاء المفرط، ولا من قلة علم؛ فإنه بحر زاخر ولا كَانَ متلاعبًا بالدين ولا ينفرد بمسائل