بالتشهِّي ولا يطلق لسانه بما اتفق، بل يحتج بالقرآن والحديث والقياس ويبرهن ويناظر أُسْوةَ من تقدمه من الأئمة. فله أجر على خطئه وأجران على إصابته. انتهى.
ومع هذا فقد وقع له مع أهل عصره قلاقل وزلازل. وامتحن مرة بعد أخرى في حياته. وجرت فتن عديدة، والناس قسمان في شأنه: فبعض منهم مقصر به عن المقدار الَّذي يستحقه بل يرميه بالعظائم، وبعض آخر يبالغ في وصفه ويجاوز به الحد ويتعصب له كما يتعصب أهل القسم الأوّل عليه. وهذه قاعدة مطَّردة في كل عالم يتبحر في المعارف العلمية ويفوق أهل عصره ويدين بالكتاب والسنة، فإنه لا بد أن يستنكره المقصِّرون، ويقع له معهم محنة بعد محنة. ثمَّ يكون أمره الأعلى وقوله الأوْلى، ويصير له بتلك الزلازل لسان صدق في الآخرين ويكون لعلمه حظ لا يكون لغيره وهكذا حال هذا الامام، فإنه بعد موته عرف النَّاس مقداره، واتفقت الألسن بالثناء عليه إلَّا من لا يعتد به، وطارت مصنفاته واشتهرت مقالاته.
وأول ما أنكر عليه أهل عصره في شهر ربيع الأوَّل سنة (٦٩٨) أنكروا عليه شيئًا من مقالاته فقام عليه الفقهاء وبحثوا معه ومُنِع من الكلام. ثمَّ طلب ثاني مرة سنة (٧٠٥) إلى مصر فتعصب عليه بعض أركان الدولة. وهو (بيبرس الجاشنكير) وانتصر له ركن آخر وهو (الأمير سلار) ثمَّ آل أمره أن حبس في خزانة البنود مدة ثمَّ نقل في صفر سنه (٩) إلى الإسكندرية. ثمَّ أفرج عنه وأعيد إلى القاهرة ثمَّ أعيد إلى الإسكندرية. ثمَّ حضر السلطان الناصر من الكرك فأطلقة، ووصل إلى دمشق في آخر سنة (٧١٢) وكان السبب في هذه المحنة أن مرسوم السلطان ورد على النائب بامتحانه في معتقده لما رفع