قال ابن فضل الله: لما قدم ابن تيميَّة على البريد إلى القاهرة في سنة (٧٠٠) حضّ أهل المملكة على الجهاد وأغلظ القول للسُّلطان والأمراء. ورتبوا له كل يوم دينارًا وطعامًا فلم يقبل ذلك. ثمَّ قال: حضر عنده شيخنا أبو حيان فقال: ما رأت عيناي مثل هذا الرَّجل، ومدحه بأبيات ذكر أنَّه نظمها بديهة منها:
لمَّا أتانا تقيُّ الدِّين لاحَ لنا ... داعٍ إلى اللهِ فَرْدٌ ما له وَزَرُ
على مُحَيَّاهُ من سِيْمَا الأُلَى صَحِبُوا ... خيرَ البريَّةِ نورٌ دونَه القَمَرُ
قال: ثمَّ دار بينهما كلام فجرى ذكر سيبويه فأغلظ ابن تيميّة القول في سيبويه، فنافره أبو حيان وقطعه، وصيَّر ذلك ذنبًا لا يغفر. وسُئل عن السبب، فقال: ناظرته في شيء من العربية فذكرت له كلام سيبويه. فقال: ما كَانَ سيبويه نبيّ النحو ولا كَانَ معصومًا، بل أخطأ في «الكتاب» في ثمانين موضعًا! ما تفهمها أنت! فكان ذلك سبب مقاطعته إياه، وذكره في تفسيره «البحر» بكلِّ سوء، وكذلك في مختصره «النهر» وقد ترجم له جماعة وبالغوا في الثناء عليه، ورثاه كثير من الشعراء.
وقال جمال الدِّين السرمرّي في «أماليه»: ومن عجائب زماننا في الحفظ ابن تيمية كَانَ يمر بالكتاب مرة مطالعة فينقش في ذهنه، وينقله في مصنفاته بلفظه ومعناه، وحكى بعضهم عنه أنَّه قال: من سألني مستفيدًا حقَّقت له ومن سألي متعنتًا ناقَضْتُه، فلا يلبث أن ينقطع فأُكْفى مؤنته. وقد ترجم له الصفدي وسرد أسماء تصانيفه في ثلاثة أوراق كبار. ومن أنفعها: كتابه في إبطال الحيل فأِنه نفيس جدًا، وكتاب «المنهاج في الرد على الروافض» في غاية الحسن،