للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من العلوم، في باب من أبوابه إلا ويُفْتَح له من ذلك الباب أبواب، ويستدرك أشياء في ذلك العلم على حُذَّاق أهله.

وكان يحضر المجالس والمحافل في صغره، فيتكلّم ويناظر، ويُفحِم الكبار، ويأتي بما يتحيَّر منه أعيان البلدة في العلم، وأفْتى وله نحو سبع عشرة سنة، وشرع في الجمع والتأليف من ذلك الوقت، ومات والده ـ وكان من كبار الحنابلة وأئمتهم ـ ودرَّس بعده وقام بوظائفه؛ وله إحدى وعشرون سنة، فاشتهر أمره، وبَعُد صيته في العالم، وأخذ في تفسير الكتاب العزيز أيام الجمع على كرسي من حفظه، فكان يورد ما يقوله من غير توقف ولا تلعثم، وكذا كان يورد الدُّرُوْس بتؤدَةٍ وصوتٍ جهوري فصيح.

وحجَّ سنة إحدى وتسعين وله ثلاثون سنة، ورجع وقد انتهت إليه الإمامة في العلم، والعمل، والزهد، والورع، والشجاعة، والكرم، والتواضع، والحلم، والأناة، والجلالة، والمهابة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، مع الصِّدق والأمانة، والعفة والصيانة، وحُسْن القصد والإخلاص، والابتهال إلى الله تعالى وشدة الخوف منه، ودوام المراقبة له، والتمسك بالأثر، والدعاء إلى الله تعالى، وحُسْن الأخلاق، ونفع الخَلْق، والإحسان إليهم.

وكان - رحمه الله - سيفًا مسلولًا على المخالفين، وشجًى في حلوق أهل الأهواء والمبتدعين، وإمامًا قائمًا ببيان الحق ونصرة الدين، طنَّت بذكره الأمصار، وظنَّت بمثله الأعصار.

وقال أبو الحجاج (١): ما رأيت مثله، ولا رأى هو مثل نفسه، وما رأيت


(١) هو الحافظ المزي.

<<  <   >  >>