ثمَّ في سنة تسع عشرة عُقِد له مجلس أيضًا كالمجلس الأوَّل، وقرئ كتاب السلطان بمنعه من ذلك، وعوتب على فتياه بعد المنع، وانفصل المجلس على تأكيد المنع.
ثمَّ بعد مدة عُقِد له مجلس ثالث بسبب ذلك، وعوتب وحبس بالقلعة. ثمَّ حبس لأجل ذلك مرة أخرى. ومنع بسببه من الفتيا مطلقًا، فأقام مدة يفتي بلسانه، ويقول: لا يسعني كتم العلم.
وفي آخر الأمر: دبروا عليه الحيلة في مسألة المنع من السفر إلى قبور الأنبياء والصالحين، وألزموه من ذلك التنقص بالأنبياء، وذلك كفر، وأفتى بذلك طائفة من أهل الأهواء، وهم ثمانية عشر نفسًا، رأسهم القاضي الإخنائِي المالكي وأفتى قضاة مصر الأربعة بحبسه، فحبس بقلعة دمشق سنتين وأشهرًا. وبها مات رحمه الله تعالى ورضي عنه.
وقد بيَّن - رحمه الله -: أنَّ ما حكم عليه به باطل بوجوه كثيره جدًّا، وأفتى جماعة: أنه يخطئ كخطأ المجتهدين المغفور لهم، ووافقه جماعة من علماء بغداد. وكذلك ابنا أبي الوليد المالكي شيخ المالكية بدمشق أفتيا: أنَّه لا وجه للاعتراض عليه فيما قاله أصلًا، وأنَّه نقل خلاف العلماء في المسألة، ورجَّح أحدَ القولين فيها.
وبقي مدة في القلعة يبث (١) العلم ويصنفه، ويرسل إلى أصحابه الرسائل، ويذكر ما فتح الله به عليه هذه المرة من العلوم العظيمة، والأحوال الجسيمة.