للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال: قد فتح الله عليَّ في هذا الحصن في هذه المرة من معاني القرآن، ومن أصول العلم بأشياء، كَانَ كثير من العلماء يتمنونها، وندمت على تضييع أكثر أوقاتي في غير معاني القرآن، ثمَّ إنَّه مُنِع من الكتابة، ولم يُترك عنده دواة ولا قلم ولا ورق، فأقبل على التلاوة والتهجد والمناجاة والذكر.

قال الذهبي في «تاريخه الكبير»: ولما كان معتقلًا في الإسكندرية، التمس منه صاحب سبتة أن يجيز لأولاده، فكتب لهم في ذلك نحوًا من ست مئة سطرٍ، منها سبعة أحاديث بأسانيدها والكلام على صحتها ومعانيها، وبحث وعمل، فإذا نظر فيه المحدث خضع له في صناعة الحديث. وذكر أسانيدَه في عدة كتب، ونبَّه على العوالي، عمل ذلك كله من حفظه، من غير أن يكون عنده ثبت أو ما يراجعه.

قال في «فوات الوفيات» (١): منع من الكتابة والمطالعة، وأخرجوا ما عنده من الكتب، ولم يتركوا له دواةً، ولا قلمًا، ولا ورقةً، وكتب عقب ذلك بفحمٍ. وكان يقول: إن إخراج الكتب من عنده من أعظم النعم.

قال الحافظ ابن القيم - رحمه الله - : قال لي مرة: ما يصنع أعدائي بي؟ جنتي في قلبي، وبستاني في صدري، أين رحت فهي معي؛ لا تفارقني، أنا حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة.

وكان في حبسه في القلعة يقول: لو بذلت ملء هذه القلعة ذهبًا ما عدل عندي شكر هذه النعمة. أو قال: ما جزيتهم عل ما تسَبَّبوا لي فيه من الخير، وكان يقول في سجوده: اللهم أعنّي على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.


(١) كذا والنقل من كتاب ابن عبد الهادي.

<<  <   >  >>