للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال مرة: المحبوس من حُبس قلبُه عن ربه، والمأسور من أسره هواه.

ولما دخل إلى القلعة وصار داخل سورها، نظر إليه، وقال: {بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ (١٣) يُنَادُونَهُمْ} [الحديد: ١٣].

قال شيخنا: وعلم الله ما رأيت أحدًا أطيب عيشًا منه قط، مع ما كان فيه من الحبس، والتهديد، والإرجاف، وهو مع ذلك أطيب الناس عيشًا، وأشرحهم صدرًا، وأقواهم قلبًا، وأسرّهم نفسًا، تلوح نضرة النعيم على وجهه. وكان إذا اشتد بنا الخوف، وساءت بنا الظنون، وضاقت بنا الأرض؛ أتيناه، فما هو إلا أن نراه ونسمع كلامه، فيذهب عنا ذلك كله، وينقلب انشراحًا وقوة ويقينًا وطمأنينة.

كل هذا في «طبقات الحنابلة» لابن رجب.

وقال الشِّهاب بن فضل الله العمري في «مسالك الأبصار».

منهم: أحمد بن عبد الحليم الحرَّاني، الحافظ الحجة.

هو البحرُ من أيِّ النواحِي أتيته، والبدرُ من أيّ الضَّواحِي رأيته، جَرَتْ آباؤُه لِشَأْوٍ ما قَنِعَ به، ولا وقفَ عنده طليحًا مُريحًا من تَعَبه. رَضَعَ ثَدْيَ العلمِ مُنذُ فُطِم، وطَلعَ وجهُ الصباحِ ليُحَاكِيَهُ فَلُطِم، وقَطَعَ الليلَ والنهارَ دائبينِ، واتخذ العلمَ والعملَ صاحبَينِ، إل أن أنسَى السلفَ بِهُداه، وأنْأى الخَلَفَ عن بلوغِ مَدَاه.

أحْيَا معالمَ بيتهِ إذْ دَرَسَ، وجَنَى من فَنَنِه الرَّطيبِ ما غَرَسَ، فأصبحَ في فضله آيةً إلّا أنه آيةُ الحَرَسِ، عَرضَتْ له الكُدَى فزَحْزَحَها، وعارضَتْه البحارُ فضَحْضَحَها، كان أُمَّةً وحدَه، وفردًا حتَّى نزلَ لَحْدَه. أخْمَلَ من القُرَناءِ كلَّ

<<  <   >  >>