للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عَظِيم، وأخْمَدَ من أهل الفناءِ كلَّ قديم، ولم يكن منهم أحد إلّا يُجْفِلُ عنه إجفالَ الظَّليم، ويَتَضاءلُ لديه تَضاؤُلَ الغَرِيم.

جاء في عصرٍ مأهولٍ بالعلماء، مشحونٍ بنجوم السماء، تَمُوجُ في جانبَيهِ بحورٌ خَضَارِمُ، وتَطِيرُ بين خافِقَيهِ نُسُورٌ قَشَاعِمُ، وتُشْرِقُ في أنديتهِ بُدورُ دُجُنَّةٍ، وصدورُ أسِنَّةٍ، إلّا أن صَبَاحَه طَمَسَ تلك النجوم، وبَحْرَهُ طَمَّ على تِلكَ الغُيُوم، ففَاءَتْ سُمْرَتُه على تلك التِّلاعِ، وأطلَّتْ قَسورتُه على تلك السِّبَاعِ، تُمَّ عُبِّئَتْ له الكتائبُ فحَطَّمَ صفوفَهَا، وخَطَمَ أُنوفَها، وابتلَعَ غَدِيرُهُ المطمئنُّ جَداولَها، واقتلَعَ طَوْدُهُ المُرْجَحِنُّ جَنادِلَها، وأخمدتْ أنفاسَهم رِيحُه، وأكْمَدَتْ شَرَاراتِهم مصابيحُه، نَقَلَ عن أئمة الإجماع فمَنَ سِواهم مذاهبَهم المختلفةَ واستَحْضَرَها، ومَثَّل صُوَرَهم الذاهبةَ وَأحْضَرها، فلو شَعَر أبو حنيفةَ بزَمانِه ومَلَكَ أمرَه لأدْنَى عَصْرَهُ إليه مُقترِبًا، أو مالكٌ لأجْرَى وراءَه أشهبَه ولو كَبَا، أو الشافعيُّ لقالَ: ليتَ هذا كان للأمِّ وَلَدًا ولَيتَني كنت له أخًا أو أبًا، أو الشيبانيُّ ابنُ حنبلٍ لما لامَ عِذَارَه إذا غَدا منه لفَرْطِ العَجبِ أشْيَبَا، لَا بَل داودُ الظاهريُّ وسِنَان الباطنيُّ لظَنَّا تحقيقَه من مُنتَحَلِه، وابنُ حَزْمٍ والشَّهْرِستانيُّ لحَشَرَ كلٌّ منهما ذِكرَه أمَّة في نِحَلِه، والحاكمُ النَّيسابوري والحافظ السِّلَفي لأضافَه هذا إلى استدراكِه وهذا إلى رِحَلِه.

تَرِدُ إليه الفتاوى ولا يَردُّها، وتَفِدُ عليه فيُجِيب عليها بأجوبةٍ كأنَّهُ كان قاعدًا لها يُعِدُّهَا.

ولقد تَضَافَرتْ عليه عُصَبُ الأعداءِ [فَأُقْحِمُوا] إذْ هَدَرَ فَحْلُه، وأُفْحِمُوا إذْ زَمزَمَ ليجني الشهدُ نَحْلُه، ورُمِيَ بالكبَائرِ، وتُرُبِّصَتْ به الدَّوائِرُ، وسُعِيَ به ليُؤْخَذَ بالجَرائِر، وحَسَدَه مَن لم يَنَل سَعْيَه وكثر فَارتَابَ، ونَمَّ وما زادَ على أنَّه

<<  <   >  >>