للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يُدفَع بحيلةِ مُحتال، فجلس إليه وأومأ بيده إلى صدره، وواجَهَه ودرأ في نَحْرِه، وطَلَبَ منه الدُّعَا، فرفعَ يديه ودعَا، دُعاءَ مُنصفٍ أكثرُه عليه، وغازانُ يؤمِّنُ على دعائه وهو مُقبلٌ عليه. ثمَّ كان على هذه المواجهة القبيحة، والمشاتمة الصريحة، أعظم في صدرِ غازان والمُغَل من كلّ من طلعَ معه إليهم، وهم سلف العلماء في ذلك الصَّدْر، وأهل الاستحقاقِ لرِفعةِ القَدْر.

هذا مع ما له من جهادٍ في الله لم يُفزِعْه فيه طلل الوشيج، ولم يُجزِعْه ارتفاع النشيج، مواقفُ حروبٍ باشرَها، وطوائفُ ضروبٍ عاشرَها، وبَوارِقُ صِفاحٍ كاشَرَها، ومضايقُ رِماحٍ حاشَرَها، وأصناف خُصوم اقتحمَ معها الغمراتِ، وواكلَها مختلفَ الثَّمرات، وقَطَع جِدالَها قوِيُّ لسانِه، وجِلادَها شَبَا سِنانِه، قامَ بها وصابرَها، وبُلِي بأصاغرِها وقاسَى أكابرَها، وأهلِ بِدَعٍ قامَ في دِفاعِها، وجَهدَ في حَطِّ يَفَاعِها، ومخالفةٍ لِمَللٍ بَيَّنَ لها خطأ التأويلِ، وسَقَمَ التَّعليلِ، وأسكَتَ طَنِينَ الذُّباب في خياشيم رؤوسهم بالأضاليل، حتى ناموا في مراقدِ الخضُوع، وقاموا وأرجلُهم تَتساقَطُ للوقوع، بأدِلَّةٍ أقطعَ من السيوف، وأجمعَ من السُّجُوف، وأجلى من فَلَقِ الصَّباح، وأجلبَ من فِلَقِ الرّماحِ.

إلّا أنَّ سابقَ المقدور أوقَعَه في خَلَلِ المَسَائل، وخَطَأٍ خَطَل لا يأمَنُ فيه مع الإكثارِ قائِلٌ، وذلك لحطِّه على بعض سلفِ العلماء، وحَلِّه لقواعدَ كثيرةٍ من نواميس القدماء، وقِلَّةِ توقيرِه للكُبَراء، وكثرةِ تكفيره للفُقراء، وتزييفه لغالبِ الآراء، وتقريبه لجهَلَةِ العوامِّ وأهلِ المِراء، وما أفتَى به آخرًا في مسألتَي الزيارةِ والطلاق، وإذاعتِه لهما حتى تكلّم فيهما من لا دينَ له ولا خلاق، فسلّط ذُبالَ الأعداءِ على سَلِيطه، وأطلقَ أيديَ الاعتداءِ في تفريطِه،

<<  <   >  >>