ولَقَّمَ نارَهم سَعَفَه، وأرَى أقساطهم سَرَفَه، فلم يَزَلْ إلى أن ماتَ عِرْضُه منهوبًا، وعَرْضُه مَوْهُوبًا، وصَفَاتُه تَتصدَّع، ورُفاتُه لا يتجمَّع، ولعلَّ هذا لخيرٍ أُريدَ به، وأُرِيغَ له لحُسنِ مُنقَلَبه.
هذا مع ما جَمعَ من الورع، وما حازَه بحذافيرِ الوجود من الجود، كانت تأتيه القَناطيرُ المقنطرةُ من الذهب والفضة والخيلِ المُسَوَّمةِ والأنعام والحرثِ، فيَهَبُه بأجمعِه، ويَضعُه عند أْهل الحاجةِ في موضعِه، لا يأخذُ منه شيئًا إلا ليهبَه، ولا يَحفظُه إلّا ليُذْهِبَه كُلَّه في سبيل البرّ، وطريق أهلِ التواضع لا أهلِ الكِبْر. لم يَمِلْ به حُبُّ الشهوات، ولا حُبِّبَ إليه من ثلاثِ الدنيا إلا الصلوات.
وما زال على هذا إلى أن صرعه أجلُه، وأتاهُ بشيرُ الجنة يستعجله، فانتقل إلى الله والظنُّ به أنَّه لا يُخجِلهُ.
ولما قَدمَ غازانُ دمشقَ خرج ابن تيمية - رضي الله عنه - إليه في جماعة من صلحائهم القدوة الشيخ محمد بن قوام، فلمَّا دخلوا على غازانَ وكان ممّا قاله ابن تيمية للترجمان: قُلْ للقانِ: أنت تزعُم أنك مسلم ومعك قاضٍ وإمامٌ وشيخ ومؤذن على ما بلغَنا، فغَزوتَنا، وأبوكَ وجَدُّك هُولاكو كانا كافرينِ وما عَمِلَا الذي عملتَ، عَاهَدا فَوَفَيا، وأنتَ عاهدتَ فغدرتَ، وقُلتَ فما وفيتَ. وجرتْ له مع غازان وقطلوشاه وبولاي أمورٌ ونُوبٌ، قام فيها كلها لله، ولم يخشَ إلّا اللهَ.
أخبرنا قاضي القضاةِ أبو العباس ابن [صصري] أنهم لمَّا حضروا مجلسَ غازان قُدِّمَ لهم طعامٌ فأكلوا منه إلا ابنَ تيمية فقيل له: لِمَ لا تأكُلُ؟ قال: كيف آكلُ من طعامكم وكلُّه ممَّا نَهَبتُم من أغنامِ الناس، وطَبختُموه مما