للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فكان يورد المجلس ولا يتلعثم، وكذلك الدرس بتؤدة وصوت جَهْوري فصيح يقول في المجلس أزيد من كراسين، ويكتب على الفتوى في الحال عدة أَوصال بخط سريع في غاية التعليق والإغلاق.

قال الشَّيخ العلَّامة كمال الدِّين بن الزَّمْلَكاني عَلَم الشافعية في خطٍّ كَتَبَه في حق ابن تَيْمِيَّة: كَانَ إذا سئل عن فن من العلم ظن الرائي والسامع أنَّه لا يعرف غير ذلك الفن وحكم بأن لا يعرفه أحد مثله، وكانت الفقهاء من سائر الطوائف إذا جالسوه استفادوا في مذاهبهم منه أشياء.

قال: ولا يعرف أنَّه ناظر أحدًا فانقطع معه، ولا تكلم في علم من العلوم سواء كَانَ من علوم الشرع أو غيرها إلَّا فاق فيه أهله، واجتمعت فيه شروط الاجتهاد علي وجهها. انتهى كلامه.

وكانت له خبرة تامَّة بالرجال وجرحهم وتعديلهم وطبقاتهم، ومعرفة بفنون الحديث، وبالعالي والنازل، والصحيح والسقيم، مع حفظه لمتونه الَّذي انفرد به، وهو عجيب في استحضاره واستخراج الحجج منه، وإليه المنتهى في عزوه إلى «الكتب السِّتَّة» و «المسند» بحيث يصدق عليه أن يقال: «كل حديث لا يعرفه ابن تَيْمِيَّة فليس بحديث»، ولكن الإحاطة لله غير أنَّه يغترف فيه من بحر، وغيره من الأئمة يغترفون من السّواقي.

أّمّا التفسير فسلم إليه، وله في استحضار الآيات للاستدلال قوة عجيبة، ولفرط إمامته في التفسير وعظمة اطلاعه بيَّن خطأَّ كثير من أقوال المفسرين، ويكتب في اليوم والليلة من التفسير أو من الفقه أو من الأصلين أو من الرّدِّ على الفلاسفة والأوائل نحوًا من أربعة كراريسِ، وما يبعد أنّ تصانيفه إلى الآن تبلغ خمسمائة مجلّدة، وله في غير مسألة مصنَّف مفرد كمسألة التحليل

<<  <   >  >>