للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٢ - أما الغلو غير المقبول فيتمثل في المعنى الذي يمتنع عقلا وعادة مع خلوه من أدوات التقريب التي تدنيه إلى الصحة والقبول. فمن أمثلة ذلك قول المتنبي مادحا:

فتى ألف جزء رأيه في زمانه ... أقل جزيئ بعضه الرأي أجمع (١)

فعلى ما في البيت من بعض التعقيد الناشئ عن التقديم والتأخير الذي اقتضاه الوزن يريد المتنبي أن يقول: إن هذا الممدوح فتى رأيه في أحوال زمانه بقدر ألف جزء، وأقل جزء من هذه الأجزاء يعادل جزء منه كل ما لدى الناس من الرأي.

فوجود إنسان رأيه على النحو الذي صوره الشاعر ممتنع عقلا وعادة، وهو غلو غث لا يدعو إلى الإعجاب به بل إلى التعجب منه!

ومنه أيضا مادحا:

ونفس دون مطلبها الثريا ... وكف دونها فيض البحار

ومنه قول أبي نواس في وصف الخمر:

فلما شربناها ودب دبيبها ... إلى موضع الأسرار قلت لها: قفي

مخافة أن يسطو علي شعاعها ... فيطلع ندماني على سري الخفي

فسطوة شعاع الخمر عليه بحيث يصير جسمه شفّافا يظهر لنديمه ما في باطنه لا يمكن عقلا ولا عادة، فهو غلو مفرط.

...

ومراتب القبول في الغلو تتفاوت إلى الحد الذي تؤول بقائلها إلى الكفر، فمن ذلك قول أبي نواس مادحا:


(١) ترتيب البيت هكذا: فتى رأيه في زمانه ألف جزء أقل جزء من هذه الأجزاء بعضه- أي بعض جزيء من رأيه الرأي الذي في أيدي الناس كله.

<<  <   >  >>