للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإن صخرا لتأتم الهداة به ... كأنه علم في رأسه نار

فإن معنى جملة البيت كامل من غير القافية، ووجودها زيادة لم تكن له قبلها. فالخنساء لم ترض لأخيها أن يأتمّ به جهّال الناس حتى جعلته يأتمّ به أئمة الناس، ولم ترض تشبيهه بالعلم، وهو الجبل المرتفع المعروف بالهداية، حتى جعلت في رأسه نارا. فهذا الإيغال البديع أكمل معنى المشبه به، وزوّد البيت بالقافية.

ومن بديع إيغال المحدثين قول مروان بن أبي حفصة:

همو القوم: إن قالوا أصابوا، وإن دعوا ... أجابوا، وإن أعطوا أطابوا وأجزلوا

فقوله «وأجزلوا» إيغال في نهاية الحسن.

...

والإيغال ليس مقصورا على الشعر، وإنما هو يجيء في الشعر والنثر على حد سواء. ومجيئه في النثر المسجوع أكثر وذلك لإتمام الفواصل وزيادة المعنى. ومن أمثلته قوله تعالى: وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ. أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ. وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ. فإن الكلام تمّ بقوله تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً ثم احتاج الكلام إلى فاصلة تناسب القرينة أو الفاصلة الأولى، فلما أتى بها وهي لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ أفاد بها معنى زائدا، وذلك لأنه لا يعلم أن حكم الله أحسن من كل حكم إلا من أيقن أنه سبحانه حكيم عادل.

ومثله قوله تعالى: فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ. إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ. فإن المعنى تم بقوله تعالى: وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ ثم ورد ما بعد ذلك وهو إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ لإتمام الكلام بالفاصلة ولإفادة معنى زائد، هو المبالغة في

<<  <   >  >>