خاص. والفرق بين اللفظ الذي تتهيأ به التورية، واللفظ الذي تترشح به، واللفظ الذي تتبيّن به- أن اللفظ الذي تقع به التورية مهيّأة لو لم يذكر لما تهيأت التورية أصلا، وأن اللفظ المرشح واللفظ المبين إنما هما مقويان للتورية، فلو لم يذكرا لكانت التورية موجودة.
...
والتورية التي هي نوع من البديع المعنوي لم يتنبه لمحاسنها إلا المتأخرون من حذّاق الشعر وأعيان الكتاب. وهؤلاء نظروا إليها على أنها من أغلى فنون الأدب وأعلاها رتبة، ولهذا نرى الكثيرين جدا من شعراء مصر والشام خاصة في القرن السادس والسابع والثامن للهجرة يتوسعون ويفتنون في استعمالها، ويأتون فيها بالعجيب الرائع الذي يدل على صفاء الطبع والقدرة على التلاعب في أساليب الكلام.
والقاضي الفاضل (١)«٥٩٦ هـ» يعد أول من فتح باب التورية لأهل عصره ومن بعدهم بما أودع منها في نظمه ونثره. وقد تأثر به في الولع بالتورية كثيرون من شعراء مصر من أمثال ابن سناء الملك، والسرّاج، والورّاق، والجزار، والحمامي، وابن دانيال، ومحيي الدين بن عبد الظاهر، وجمال الدين بن نباته، وصلاح الدين الصفدي.
وممن اشتهر بالتوسع في استعمال التورية من شعراء الشام شرف الدين عبد العزيز الأنصاري، ومجير الدين بن تميم، وبدر الدين يوسف الذهبي، ومحيي الدين الحموي، وشمس الدين بن العفيف، وعلاء الدين
(١) هو عبد الرحيم بن علي وزير السلطان صلاح الدين، اشتهر بالقاضي الفاضل، وهو من أئمة الإنشاء وتعرف طريقته في الكتابة بالطريقة الفاضلية وقد تأثر بها وقلّدها من جاء بعده من المنشئين.