الكندي الشهير بالوداعي، والذي يقال: إنه أشهر من «قفا نبك» في نظم التورية!
ولعل تقي الدين بن حجة الحموي من أكثر رجال البديع المتأخرين اهتماما بالتورية. نقول ذلك لأن ما استشهد به عليها من شعر شعراء البديع بمصر والشام من عصر القاضي الفاضل إلى عصره يمثل في الواقع ربع كتابه «خزانة الأدب» الذي يشتمل على ٤٦٧ صفحة.
وهو ينبئنا عن سبب اهتمامه بالتورية إلى هذا الحد بأنه كان ينوي بعد الفراغ من تأليف «خزانة الأدب» أن يؤلف كتابا خاصا بالتورية والاستخدام يسميه «كشف اللثام عن وجه التورية والاستخدام»(١).
...
وإذا ألقينا نظرة على نشأة هذا النوع من البديع المعنوي فإننا نرى أن المتقدمين لم يحفلوا كثيرا بالتورية. وأن المرء ليحس فيما يلقاه منها في أدبهم أنها كانت تقع لهم عفوا من غير قصد.
ويقال إن المتنبي هو أول من التفت إليها واستخدمها في شعره على نحو ظاهر، ولكن التحقيق يظهر أن شعراء البديع في العصر العباسي الأول والثاني من أمثال أبي نواس ومسلم بن الوليد وأبي تمام والبحتري قد سبقوه إليها.
ثم أخذ الاهتمام بها ابتداء من عصر المتنبي يزداد شيئا فشيئا حتى وصلت إلى عصر القاضي الفاضل فتلقفها وتوسع في استعمالها في شعره ونثره إلى الحد الذي لفت الأنظار إليها. ومن ثم جاراه فيها شعراء مصر