ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهنّ فلول من قراع الكتائب (١)
فالنابغة هنا نفى أولا عن ممدوحيه صفة العيب ثم عاد فأثبت لهم بالاستثناء عيبا هو أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب، وهذه ليست في الواقع صفة ذم وإنما هي صفة مدح أثبتها الشاعر لممدوحيه وأكدها بما يشبه الذم.
وتأكيد المدح في هذا الضرب من وجهين: أحدهما أن التأكيد فيه هو من جهة أنه كدعوى الشيء ببيّنة وبرهان، كأنه استدل على أنه لا عيب فيهم بأن ثبوت عيب لهم معلق بكون فلول السيف عيبا وهو محال.
والوجه الثاني أن الأصل في مطلق الاستثناء الاتصال، بمعنى أن المستثنى يكون داخلا في المستثنى منه وفردا من أفراده، وعلى هذا فإذا قيل:
«ولا عيب فيهم غير ...» فإن السامع يتوهم بمجرد التلفظ بأداة الاستثناء «غير» أو نحوها وقبل النطق بما بعدها أن ما يأتي بعدها وهو المستثنى لا بدّ أن يكون صفة ذم، فإذا ولى أداة الاستثناء صفة مدح تبدد توهم السامع بهذه المفاجأة التي لم يكن يتوقعها. لقد توهم أن الذي سيلي أداة الاستثناء لا بدّ أن يكون صفة ذم فإذا به يفاجأ بأنها صفة مدح. ومن هنا يجيء التوكيد لما فيه من المدح على المدح، ومن الإشعار بأن المتكلم لم يجد صفة ذم يستثنيها فاضطر إلى استثناء صفة مدح وتحويل الاستثناء من متصل إلى منقطع.
...
(١) الفلول: جمع فل، وهو الثلم يصيب السيف في حده، وقراع الكتائب: مضاربة الجيوش ومقاتلتها عند اللقاء.