٢ - والضرب الثاني من تأكيد المدح بما يشبه الذم يتمثل في إثبات صفة مدح لشيء تعقبها أداة استثناء يكون المستثنى بها صفة مدح أخرى له.
ومثال ذلك قول الرسول:«أنا أفصح العرب بيد أني من قريش»، و «بيد» بمعنى «غير» وهو أداة استثناء، وأصل الاستثناء في هذا الضرب أن يكون منقطعا، ولم يقدر متصلا لأنه ليس هنا صفة ذم منفية عامة يمكن تقدير دخول صفة المدح فيها.
وإذا لم يمكن تقدير الاستثناء متصلا في هذا الضرب فلا يفيد التوكيد إلا من الوجه الثاني، وهو أن ذكر أداة الاستثناء يوهم إخراج شيء مما قبلها من حيث أن الأصل في مطلق الاستثناء هو الاتصال، فإذا ذكر بعد الأداة صفة مدح أخرى جاء التوكيد.
ومن تأكيد المدح بما يشبه الذم ضرب آخر وهو أن يؤتى بمستثنى فيه معنى المدح معمولا لفعل فيه معنى الذم، وذلك نحو قوله تعالى: وَما تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنا. أي وما تعيب منا إلا الإيمان بالله الذي هو أصل المناقب والمفاخر كلها.
فالفعل تَنْقِمُ فيه معنى العيب والذم، والمستثنى بإلا وهو مصدر الإيمان المؤول من «أن آمنا» يتضمن صفة مدح، وهو في الوقت ذاته معمول الفعل تَنْقِمُ. فهذا المثال ونظائره مما تأتي فيه صفة المدح الواقعة بعد أداة الاستثناء
معمولا لفعل فيه معنى الذم- يعد ضربا آخر من تأكيد المدح بما يشبه الذم.
وفي هذا الأسلوب البديعي قد تأتي أدوات الاستثناء من مثل «إلا، وغير، وسوى» بمعنى «لكن» التي للاستدراك، وعندئذ يكون تأكيد المدح