للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بما يشبه الذم فيها من الضرب الثاني الذي يتمثل في إثبات صفة مدح لشيء تعقبها أداة استثناء يكون المستثنى بها صفة مدح أخرى له. وذلك كقول الشاعر:

هو البحر إلا أنه البحر زاخرا ... سوى أنه الضرغام لكنه الوبل

فالممدوح هنا هو البحر، لكنه البحر زاخرا، لكنه الضرغام، لكنه الوبل أي المطر، فقد شبه الممدوح بالبحر وهذه صفة مدح، ثم أكدت هذه الصفة بصفات مدح أخرى هي: أنه البحر زاخرا، وأنه الضرغام شجاعة، وأنه الوبل أي المطر غزارة. وكل ذلك قد ثبت وتأكد بالاستدراك الذي أزال توهم السامع بالاستثناء لصفات ذم وأحل محلها صفات مدح.

وبعد ... فتجدر الإشارة هنا إلى أن تسمية هذا الفن البديعي «بتأكيد المدح بما يشبه الذم» قد نظر فيها إلى الأعم الأغلب، وإلا فقد يكون ذلك في غير المدح والذم ويكون من محسنات الكلام، كقوله تعالى:

وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ. يعني إن أمكنكم أن تنكحوا ما قد سلف فانكحوه فلا يحل لكم غيره، وذلك غير الممكن.

والغرض بطبيعة الحال هنا هو المبالغة في تحريم هذا النوع من الزواج وسد الطريق إلى إباحته. ويمكن تسمية ما يأتي من هذا القبيل «بتأكيد الشيء بما يشبه نقيضه».

...

وتتمة لما سبق وزيادة في توضيحه نورد فيما يلي بعض أمثلة مما جادت به قرائح الشعراء فيه.

<<  <   >  >>