للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٣ - ومنه ما يكون التجريد فيه حاصلا بلفظة «باء المعية» الداخلة على المنتزع، نحو قول الشاعر:

وشوهاء تعدو بي إلى صارخ الوغى ... بمستلئم مثل الفنيق المرحل (١)

فالمعنى: ورب فرس هذه صفتها تعدو بي لنجدة المستغيث في الحرب ومعي من نفسي آخر مستعد للحرب. فقد بالغ في اتصافه بالاستعداد حتى انتزع وجرّد من نفسه مستعدا آخر لابسا درعا.

٤ - ومنه ما يكون التجريد فيه حاصلا بدخول لفظة «في» على المنتزع منه، نحو قوله تعالى: لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ، أي لهم في جهنم، وهي دار الخلد، لكنه انتزع دارا أخرى مثلها وجعلها معدة في جهنم لأجل الكفار تهويلا لأمرها، ومبالغة في اتصافها بالشدة.

٥ - ومنه ما يكون التجريد فيه حاصلا بدون توسط حرف، كقول قتادة بن مسلمة الحنفي:

فلئن بقيت لأرحلنّ بغزوة ... تحوي الغنائم أو يموت كريم

فالشاعر قد عنى «بالكريم» هنا نفسه، فكأنه انتزع وجرّد من نفسه كريما مبالغة في كرمه. وقيل إن التقدير «أو يموت مني كريم» فيكون من قبيل: «لي من فلان صديق حميم» فلا يكون قسما آخر، وإنما يكون من القسم الأول

الذي يكون التجريد فيه حاصلا بدخول «من» التجريدية على المنتزع منه.


(١) وشوهاء: فرس شوهاء، وشوهاء في هذا الموضع صفة محمودة، ويراد بها سعة أشداق الفرس، وصارخ الوغى: أي المستغيث في الحرب، والمستلئم: لابس اللأمة وهي الدرع، والفنيق: الفحل المكرم عند أهله، والمرحل: من رحل البعير أشخصه من مكانه وأرسله.

<<  <   >  >>