للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٦ - ومنه ما يكون التجريد فيه حاصلا بطريق الكناية، كقول الأعشى:

يا خير من يركب المطي ولا ... يشرب كأسا بكف من بخلا

ففي البيت تجريد بطريق الكناية حيث انتزع وجرّد من الممدوح جوادا يشرب هو بكفه على طريق الكناية، لأنه إذا نفى عنه الشرب بكف البخيل، فقد أثبت له الشرب بكف كريم. ومعلوم أنه يشرب بكفه، فهو ذلك الكريم.

٧ - ومن أقسام التجريد كذلك مخاطبة الإنسان نفسه، وذلك بأن ينتزع الإنسان من نفسه شخصا آخر يوجه الخطاب إليه، كقول المتنبي:

لا خيل عندك تهديها ولا مال ... فليسعد النطق إن لم يسعد الحال (١)

فالشاعر هنا ينتزع من نفسه إنسانا آخر يخاطبه قائلا: ليس عندك من الخيل والمال ما تهديه إلى الممدوح جزاء له على إحسانه إليك، فليسعدك ويعنك النطق، أي فامدحه، وجازه بالثناء عليه، إن لم تعنك الحال على مجازاته بالمال أو الخيل.

ومثله في مخاطبة النفس قول الأعشى:

ودع هريرة إن الركب مرتحل ... وهل تطيق فراقا أيها الرجل؟

ومن لطيف التجريد قول المعري:

ماجت نمير فهاجت منك ذا لبد ... والليث أفتك أفعالا من النمر

...

وقد عرض ضياء الدين بن الأثير للتجريد فعرفه أولا لغة بقوله:


(١) الإسعاد: الإعانة.

<<  <   >  >>