«إن أصله في وضع اللغة من جردت السيف إذا نزعته من غمده، وجرّدت فلانا إذا نزعت ثيابه. ومن ههنا قال صلّى الله عليه وسلّم: «لا مد ولا تجريد، وذلك في النهي عند إقامة الحد أن يمد صاحبه على الأرض وأن تجرد
ثيابه. وقد نقل هذا المعنى إلى نوع من أنواع البيان».
ثم عرفه اصطلاحا بقوله:«التجريد هو أن تطلق الخطاب على غيرك ولا يكون هو المراد وإنما المراد نفسك».
وللتجريد عنده فائدتان إحداهما أبلغ من الأخرى، فالأولى طلب التوسع في الكلام، فإنه إذا كان ظاهره خطابا لغيرك وباطنه خطابا لنفسك فإن ذلك من باب التوسع. وهو يظن أنه شيء اختصت به اللغة العربية دون غيرها من اللغات.
والفائدة الثانية هي الأبلغ عنده، وذلك أن المخاطب يتمكن بالتجريد من إجراء الأوصاف المقصودة من مدح أو غيره على نفسه، إذ يكون مخاطبا بها غيره فيكون أعذر وأبرأ فيما يقوله غير محجور عليه.
...
وعنده أن التجريد يأتي على ضربين:
١ - تجريد محض: وهو أن تأتي بكلام هو خطاب لغيرك وأنت تريد به نفسك، كقول بعض المتأخرين وهو الشاعر المعروف بالحيص بيص في مطلع قصيدة له:
إلام يراك المجد في زي شاعر ... وقد نحلت شوقا فروع المنابر؟
كتمت بعيب الشعر حلما وحكمة ... ببعضهما تنقاد صعب المفاخر
أما وأبيك الخير إنك فارس ال ... مقال ومحيي الدارسات الغوابر
وإنك أعييت المسامع والنهى ... بقولك عما في بطون الدفاتر