للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خطابا لغيرك وباطنه خطابا لنفسك، فقد مثل له ابن الأثير بقول الصمة بن عبد الله من شعراء الحماسة وهو:

حننت إلى ريا ونفسك باعدت ... مزارك من ريا وشعباكما معا

فما حسن أن تأتي الأمر طائعا ... وتجزع إن داعي الصبابة أسمعا

وأذكر أيام الحمى ثم أنثني ... على كبدي من خشية أن تصدعا

بنفسي تلك الأرض ما أطيب الرّبا ... وما أحسن المصطاف والمتربعا!

فالبيتان الأولان يدلان على أن المراد بالتجريد فيهما هو التوسع، لأن الخطاب فيهما تجريدي إذ وجه الخطاب إلى غيره وهو يريد شخصه، ثم انتقل من الخطاب التجريدي إلى خطاب النفس في البيتين الأخيرين.

ولو استمر على الحالة الأولى لما قضى عليه بالتوسع، وإنما كان يقضي عليه بالتجريد البليغ الذي هو الطرف الآخر، وكان يتأول له بأن غرضه من خطاب غيره أنه ينفي عن نفسه سمعة الهوى ومعرة العشق لما في ذلك من الشهرة والغضاضة. لكنه قد أزال هذا التأويل بانتقاله عن التجريد أولا إلى خطاب النفس (١).


(١) انظر في موضوع التجريد كتاب المثل السائر لابن الأثير ص ١٦٥ - ١٦٧.

<<  <   >  >>