والآن ماذا عن فنون البديع في كتاب «العمدة» لابن رشيق، إن هذا الكتاب يتألف من جزءين يضمان نحو مائة باب حاول مصنفه أن يجمع فيها كل ما وقف عليه مما كتب عن صناعة الشعر ووسائله البيانية والبديعية، وعمله فيه، كما يفهم من الكلمة التي اقتبسناها من خطبة الكتاب، عمل جمع وتبويب لا عمل بحث ودرس، وإن كانت له من حين لآخر التفاتات وملاحظات دقيقة تنم عن سعة اطلاعه وبصره بالشعر.
ومما يلاحظ على الكتاب أن المؤلف أفرد أبوابا منه لمباحث البيان، وأخرى للمحسنات البديعية، وفي ذلك ما يوحي بأنه قد بدأ يستقر في أذهان النقاد ورجال البلاغة أن البيان شيء والبديع شيء آخر. والكتاب على الرغم من كل شيء قد وعى لنا مادة ضخمة من البلاغة والنقد معا.
ويستهل ابن رشيق كلامه عن البديع بباب يعرف فيه كلا من المخترع والبديع من الشعر، ويفرق بينهما، ثم ينتهي بذكر أول من قام بجمع البديع.
فالمخترع من الشعر عنده هو: ما لم يسبق إليه قائله، ولا عمل أحد من الشعراء قبله نظيره أو ما يقرب منه. ويقرر أن أول الناس اختراعا للشعر هو امرؤ القيس، وأن له في شعره اختراعات كثيرة أورد نماذج منها. ومن الشعراء المخترعين عنده أيضا طرفة بن العبد.
ثم يستطرد فيقول:«وما زالت الشعراء تخترع إلى عصرنا هذا وتولد، غير أن ذلك قليل في الوقت». ويدفعه ذكر التوليد إلى تعريفه فيقول:«والتوليد: أن يستخرج الشاعر معنى من معنى شاعر تقدمه، أو يزيد فيه زيادة، فلذلك يسمى التوليد، وليس باختراع لما فيه من الاقتداء بغيره، ولا يقال له أيضا «سرقة» إذا كان ليس آخذا على وجهه» (١).