للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يخالطك اليأس منها، وحصول الربح بعد أن تغالط فيه حتى ترى أنه رأس المال» (١).

وعن السجع يورد عبد القاهر أمثلة للحسن منه قول القائل: اللهم هب لي حمدا، وهب لي مجدا، فلا مجد إلا بفعال، ولا فعال إلا بمال.

ومثل قول الفضل بن عيسى الرقاشي: سل الأرض، فقل: من شق أنهارك، وغرس أشجارك، وجنى ثمارك، فإن لم تجبك حوارا، أجابتك اعتبارا. ثم يذكر أنه ليس هنا لفظ اجتلب من أجل السجع، وترك له ما هو أحق بالمعنى

منه.

وعلى ذلك فالجناس أو السجع عنده لا يكتسب صفة القبول أو الحسن حتى يكون المعنى هو الذي طلبه واستدعاه وساق نحوه، بحيث لا تبتغي به بدلا، ولا تجد عنه حولا، أي أن المعنى هو الذي يقود المتكلم نحو الجناس والسجع، لا أن يقود هو المعنى إليهما.

وفي معرض البحث في السرقات الشعرية تكلم عبد القاهر عن التعليلات الخيالية التي يسوقها الشعراء في أشعارهم والتي أطلق عليها البلاغيون اسم «حسن التعليل» كقول القائل:

لو لم تكن نية الجوزاء خدمته ... لما رأيت عليها عقد منتطق

وإجمال القول هنا أن عبد القاهر الذي وضع نظريتي علم المعاني وعلم البيان لم يتوسع في البديع توسعه في المعاني والبيان، وأن حديثه في «أسرار البلاغة» عن الجناس والسجع وحسن التعليل والطباق لم يكن مقصودا لذاته، وإنما جاء كلامه عنها في معرض الاستدلال على نظريته القائلة بأن الألفاظ ليست لها مزية ذاتية في الكلام من حيث هي ألفاظ،


(١) نفس المرجع ص: ١٣.

<<  <   >  >>