فيلتفت إليه بعد فراغه منه، فإما أن يجلي الشك، أو يؤكده، أو يذكر سببه. وعرفه ابن المعتز بأنه انصراف المتكلم عن الاخبار إلى المخاطبة، كقوله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ... إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ.
والاقتباس هو أن يضمن المتكلم كلامه كلمة من آية، أو آية من كتاب الله خاصة، وهو على نوعين: نوع لا يخرج به المقتبس عن معناه، كقول الحريري:«فلم يكن إلا كلمح البصر أو هو أقرب حتى أنشد فأغرب» فإن الحريري كنى به عن شدة القرب، وكذلك هو في الآية الكريمة.
ونوع يخرج به المقتبس عن معناه كقول ابن الرومي:
لئن أخطأت في مدحيك ... ما أخطأت في منعي
لقد أنزلت حاجاتي ... بواد غير ذي زرع ..
فالشاعر كنى به عن الرجل الذي لا يرجى نفعه والمراد به في الآية أرض مكة.
والتلميح هو أن يشير ناظم هذا النوع في بيت أو قرينة سجع إلى قصة معلومة، أو نكتة مشهورة، أو بيت شعر حفظ لتواتره، أو إلى مثل سائر يجريه في كلامه على جهة التمثيل. وأحسن التلميح وأبلغه ما حصل به زيادة في المعنى
المقصود، وسماه قوم التلميح بتقديم الميم، كأن الناظم أتى في بيته بنكتة زادته ملاحة، كقول ابن المعتز:
أترى الجيرة الذين تداعوا ... عند سير الحبيب وقت الزوال؟
علموا أنني مقيم وقلبي ... راحل فيهم أمام الجمال
مثل صاع (١) العزيز في أرحل القوم ... ولا يعلمون ما في الرحال
(١) الصاع: مكيال مقداره ثمانية أرطال على رأي، وخمسة أرطال وثلثا رطل على رأي آخر.