ولما كانت علوم البلاغة تحتاج إلى علوم المنطق والعروض والقافية فقد أفرد لكل منها مبحثا خاصا وحيزا في كتابه. وبذلك اشتمل «المفتاح» على علوم الصرف والنحو والمعاني والبيان والمنطق والعروض والقافية والمحسنات البديعية.
وشهرة السكاكي ترجع في الواقع إلى القسم الثالث من كتاب المفتاح، وهو القسم الخاص بعلم المعاني وعلم البيان وملحقاتهما من البلاغة والفصاحة، والمحسنات البديعية اللفظية والمعنوية.
ومصدر هذه الشهرة أنه أعطى لأصول العلوم التي أفرد لها القسم الثالث من كتابه الصيغة النهائية التي عكف عليها العلماء من بعده يتدارسونها ويشرحونها مرارا.
وقد كان ما انتهى إليه في ذلك وليد اكتساب ومجهود ذاتي. وتفصيل ذلك أنه استطاع أن يخرج من اطلاعه على أعمال رجال البلاغة المتقدمين عليه بملخص لما نثروه في كتبهم من آراء، أضاف إليها ما عنّ له شخصيا من أفكار، ثم صاغ ذلك كله صياغة محكمة استعان فيها بقدرته المنطقية في التعليل والتحديد والتقسيم والتفريع والتشعيب.
ولعل عبد القاهر الجرجاني والزمخشري وفخر الدين الرازي هم أكثر من أفاد منهم السكاكي في عمله هذا.
والآن ماذا عن البديع عند السكاكي ومجهوده فيه؟ لقد ذكرنا آنفا أنه ألحق البديع في القسم الثالث من كتابه المفتاح بعلمي المعاني والبيان.
ومعنى ذلك أنه لم يكن ينظر إليه كعلم مستقل قائم بذاته، وإلا لكان عليه أن يعامله معاملة علمي المعاني والبيان، وأن يعطيه من العناية ما أعطاه لهما.