ومع ذلك فلعله كان أول من نظر في المحسنات البديعية وقسمها إلى محسنات معنوية وأخرى لفظية، وهذا أمر يحسب بطبيعة الحال للسكاكي لأن من بحثوا قبله في المحسنات البديعية كانوا يوردونها مختلطا بعضها ببعض، وقلما حاول أحدهم أن يفرق بين المعنوي واللفظي منها، كما فعل هو.
وشيء آخر أن السكاكي لم يأت في كتابه المفتاح على كل المحسنات البديعية التي كانت معروفة إلى عصره، وإنما اقتصر منها على ستة وعشرين نوعا، لعلها كانت في نظره أهم من غيرها أثرا في تحسين الكلام لفظا ومعنى، كما أنه لم يزد على المحسنات جديدا من عنده.
والمحسنات البديعية المعنوية التي آثرها على غيرها ووقف عندها في كتابه تبلغ عشرين نوعا، هي: المطابقة، والمقابلة، ومراعاة النظير، والمزاوجة، والمشاكلة، والإيهام، واللف والنشر، والجمع، والتفريق، والتقسيم، والجمع مع التفريق، والجمع مع التقسيم، والجمع مع التفريق والتقسيم، وتأكيد المدح بما يشبه الذم، والتوجيه، والاعتراض، والالتفات، والاستتباع الذي سماه الفخر الرازي الموجّه، وسوق المعلوم مساق غيره لنكتة كالتوبيخ، وتقليل اللفظ ولا تقليله مما يدخل في بعض صور الإيجاز والإطناب.
أما المحسنات البديعية اللفظية التي أوردها فهي: الجناس، ورد العجز على الصدر، والسجع، والقلب، والاشتقاق، والترصيع.
وكل هذه الفنون البديعية مستمدة بأمثلتها من الفخر الرازي، وقد عقب بعد سردها بقوله:«ويورد الأصحاب هنا أنواعا مثل كون الحروف منقوطة أو غير منقوطة، أو البعض منقوطا والبعض غير منقوط بالسوية، فلك أن
تستخرج من هذا القبيل ما شئت، وتلقب من ذلك بما أحببت».