للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد أشار صاحب المثل السائر أخيرا إلى اختلاف البلاغيين في بعض مصطلحات الفنون البديعية وألقابها، بل منهم من يضع لفن واحد من البديع اسمين اعتقادا منه أن ذلك النوع نوعان مختلفان، وليس الأمر كذلك بل هما نوع واحد، وذلك كما فعل «الغانمي» حينما ذكر «التبليغ» و «الإشباع» على أنهما نوعان من البديع مختلفان، مع أنهما من حيث المضمون سواء، لا فرق بينهما بحال، كما ذكر أن أبا هلال العسكري قد سمى هذين النوعين بعينهما «الإيغال»، وهو أن يستوفي الشاعر معنى الكلام قبل البلوغ إلى مقطعه، أي قافيته، ثم يأتي بالمقطع فيزيد فيه معنى آخر، كقول امرئ القيس:

كأن عيون الوحش حول خبائنا ... وأرحلنا الجزع الذي لم يثقّب

فإنه أتى بالتشبيه تاما قبل القافية وهو «كأن عيون الوحش حول خبائنا وأرحلنا الجزع» فلما احتاج إلى القافية

وجاء بها بلغ الأمد الأقصى في المبالغة.

ولا يفوت ضياء الدين بعد ذلك أن يشير إلى ولع بعض الكتاب والشعراء بالمحسنات البديعية وتفننهم في اختراع صور منها خرجت بالكلام عن موضوع علم البيان.

وممن فعل ذلك الحريري في رسائل تضمنتها بعض مقاماته، ففي رسالة نراه يبيّنها على كلمة مهملة وكلمة معجمة، كقوله: «الكرم، ثبت الله جيش سعودك، يزين، واللؤم، غض الدهر جفن حسودك، يشين، والأروع يثيب، والمعور (١) يخيب».

وفي رسالة ثانية يبنيها على عبارات تقرأ طردا وردا، أي لا تستحيل


(١) المعور: كل من بدا فيه موضع خلل للضرب.

<<  <   >  >>