للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

معنى بالغ، فيشغل الإسماع بما هو محال، ويهوّل مع ذلك على السامعين، وإنما يقصدها من ليس بمتمكن من محاسن الكلام.

ويعلق ابن رشيق على الرأي السابق الذي أورده لأحد الحذاق بنقد الشعر قائلا: «وفي هذا الكلام كفاية وبلاغ، إلا أنه فيما يظهر من فحواه لم يرد إلا ما كان فيه بعد، وليس كل مبالغة كذلك.

فالغلو هو الذي ينكره من ينكر المبالغة من سائر أنواعها ويقع فيه الخلاف لا ما سواه ... ولو بطلت المبالغة كلها وعيبت لبطل التشبيه وعيّبت الاستعارة، إلى كثير من محاسن الكلام ...» (١).

...

أما السكاكي ومن جاراه من أمثال الخطيب القزويني فيعدون «المبالغة المقبولة» من محاسن الكلام وبديعه، ويعرفونها بقولهم: «والمبالغة أن يدّعى لوصف بلوغه في الشدة أو الضعف حدا مستحيلا أو مستبعدا، لئلا يظن أنه غير متناه فيه» (٢)، أي لئلا يتوهم أن أحدا من العقلاء يظن أن الوصف المدعى غير متناه في الشدة والضعف.

والسكاكي إذ يقيد المبالغة «بالمقبولة» إنما يشير بهذا القيد إلى الرد على من زعم أن المبالغة مردودة مطلقا، محتجا بأن خير الكلام ما خرج مخرج الحق، وكان على منهج الصدق، كقول حسان بن ثابت:

وإنما الشعر لب المرء يعرضه ... على المجالس إن كيسا وإن حمقا

وإن أشعر بيت أنت قائله ... بيت يقال إذا أنشدته صدقا

وإلى الرد كذلك على من زعم أنها مقبولة مطلقا، وأن الفضل


(١) كتاب العمدة ج ٢ ص ٥٠ - ٥٢.
(٢) كتاب التلخيص للقزويني ص ٣٧٠.

<<  <   >  >>