مقصور عليها، والمحاسن كلها منسوبة إليها، محتجا بأن أحسن الشعر أكذبه، وخير الكلام ما بولغ فيه.
وتنحصر المبالغة عند السكاكي في التبليغ والإغراق والغلو؛ لأن الوصف المدعى إن كان ممكنا عقلا وعادة فتبليغ كقول امرئ القيس في وصف فرسه:
فعادى عداء بين ثورة ونعجة ... دراكا ولم ينضح بماء فيغسل
فقد وصف فرسه بأنه طارد ثورا ونعجة من بقر الوحش وأنه أدركهما وقتلهما في طلق وشوط واحد من غير أن يعرق عرقا مفرطا يغسل جسده، أي أدركهما وصادهما دون معاناة مشقة ومقاساة شدة، وذلك أمر ممكن عقلا وعادة.
وإن كان الوصف ممكنا عقلا لا عادة فهو الإغراق، كقول عمير التغلبي:
ونكرم جارنا ما دام فينا ... ونتبعه الكرامة حيث مالا
فالشاعر يدعي أن جاره لا يميل عنه إلى أي جهة إلا ويتبعه الكرامة. وهذا أمر ممكن عقلا لا عادة، أي أنه ممتنع عادة وإن كان غير ممتنع عقلا.
وعند السكاكي ومدرسته أن هذين النوعين من المبالغة، أي التبليغ والإغراق مقبولان. أما إذا كان الوصف المدعى غير ممكن عقلا وعادة فهو الغلو، كقول أبي نواس:
وأخفت أهل الشرك حتى أنه ... لتخافك النطف التي لم تخلق
فالغلو هنا هو في إسناد الخوف إلى النّطف غير المخلوقة، وهذا أمر ممتنع عقلا وعادة.