ومن الغلو المقبول أيضا ما أخرج مخرج الهزل والخلاعة، كقول القائل:
أسكر بالأمس إن عزمت على الشر ... ب غدا إن ذا من العجب!
...
ومن كلام السكاكي السابق يتضح أن المبالغة المقبولة عنده هو ومن لفّ لفّه تنحصر في التبليغ، والإغراق، والغلو.
فإذا كان الوصف المدعى ممكنا عقلا وعادة فهو التبليغ، وإذا كان ممكنا عقلا لا عادة فهو الإغراق، وإذا كان ممتنعا عقلا وعادة فهو الغلو.
كما يتضح أنه يرى أن هناك أصنافا من الغلو مقبولة، منها ما أدخل عليه ما يقربه إلى الصحة نحو لفظة «يكاد»، ومنها ما تضمن نوعا حسنا من التخييل، ومنها ما اجتمع فيه الأمران، ومنها ما أخرج مخرج الهزل والخلاعة.
فالسكاكي ومعه الخطيب القزويني يعدان المبالغة بأنواعها الثلاثة من تبليغ وإغراق وغلو فنا واحدا من فنون البديع المعنوي.
ولكننا نرى أن المتأخرين من أصحاب البديع يعدون كلا من المبالغة بمعنى التبليغ، والإغراق، والغلو فنا بديعيا قائما بذاته.
ولذلك فهم يقصرون المبالغة على التبليغ بمفهومه عند السكاكي، أي إمكان وقوع الوصف المدعى عقلا وعادة، أو كما يقولون في تعريفهم:
هي الإفراط في وصف الشيء بالممكن القريب وقوعه عادة.
واعتبار المتأخرين للمبالغة بأنواعها على أنها ثلاثة فنون بديعية مستقلة فيه تطوير لمفهوم، المبالغة، وهو أولى بالاتباع لأنه يميز كل فن عن الآخر، ويحول دون اختلاطها وتداخل بعضها في بعض.