كذلك ذكرنا أن السكاكي عرف المبالغة المقبولة بقوله:«هي أن يدّعى لوصف بلوغه في الشدة والضعف حدا مستحيلا أو مستبعدا».
وإذا تأملنا هذا التعريف وجدنا أنه ينطبق على نوعين فقط من أنواع المبالغة عند السكاكي هما: الغلو والإغراق. ذلك لأن الغلو هو المستحيل عقلا وعادة، والإغراق هو المستبعد وقوعه عادة لا عقلا.
وعلى ذلك فالإغراق في اصطلاح البديعيين: هو الوصف الممكن وقوعه عقلا لا عادة، أو بعبارة أخرى: هو الإفراط في وصف الشيء بما يمكن عقلا ويستبعد وقوعه عادة. ومن أمثلة ذلك قول عمير التغلبي السابق:
ونكرم جارنا ما دام فينا ... ونتبعه الكرامة حيث مالا
فإكرامهم للجار مدة إقامته بينهم من الأخلاق الجميلة الموصوفة، ومدّه بالكرم عند رحيله وجعل هذا الكرم يتبعه ويشمله حيث كان وفي كل جهة يميل إليها هو الإغراق هنا. وهذا أمر ممتنع عادة وإن كان غير ممتنع عقلا.
وكل من الإغراق والغلو لا يعدّ من محاسن القول وبديع المعنى إلا إذا دخل عليه أو اقترن به ما يقربه إلى الصحة والقبول، نحو «قد» للاحتمال، و «لو» و «لولا» للامتناع، و «كاد» للمقاربة، وما أشبه ذلك من أدوات التقريب.
ولم يقع شيء من الإغراق والغلو في القرآن الكريم ولا في الكلام الفصيح إلا بما يخرجه من باب الاستبعاد والاستحالة ويدخله في باب الإمكان، نحو: كاد ولو وما يجري مجراهما.
ومن أمثلة ذلك في الإغراق قوله تعالى: يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ