بِالْأَبْصارِ، إذ لا يستحيل في العقل أن البرق يخطف الأبصار، ولكنه يمتنع عادة. والذي زاد وجه الإغراق هنا جمالا هو تقريبه إلى الصحة بلفظة «يكاد»، واقتران هذه الجملة بها هو الذي صرفها إلى الحقيقة، فقلبت من الامتناع إلى الإمكان.
ومن شواهد تقريب نوع الإغراق بلفظة «لو» قول زهير:
لو كان يقعد فوق الشمس من كرم ... قوم بأولهم أو مجدهم قعدوا
فاقتران هذه الجملة أيضا بامتناع قعود القوم فوق الشمس المستفاد بلو «هو الذي أظهر بهجة شمسها في باب الإغراق» على حد قول ابن حجة الحموي.
ومما استشهد به أيضا على نوع الإغراق بلفظة «لو» التي يمكن الإغراق بها عقلا ويمتنع عادة قول القائل:
ولو أن ما بي من جوى وصبابة ... على جمل لم يدخل النار كافر
وقبل الحديث عن الإغراق في هذا البيت نذكر أن فيه نظرا من طرف خفي إلى قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ. وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ فالجمل له معنيان: الذكر من الإبل والحبل الغليظ، وسم الخياط: ثقب الإبرة.
فالمعنى هنا أن المكذبين بآيات الله والمستكبرين عنها لا تفتح لهم أبواب السماء، أي لا تقبل دعواتهم ولا أعمالهم، ولا يدخلون الجنة حتى يدخل الجمل بأي معنى من معنييه السابقين في ثقب الإبرة. وبما أن دخول الجمل المعروف أو الحبل الغليظ في ثقب الإبرة الضيق الصغير أمر بعيد فكذلك دخول هؤلاء المكذبين بآيات الله الجنة أمر مستبعد.