فيمنع الشافعي عن هذا الاستدلال، بأن يقال: سبب هذا الترتيب: تقديم الوجه [٢٨ - أ] لأنه أهم الأعضاء بتحصيل النظافة فيه؛ وتأخير الرجل: لأنه أحرى الأعضاء بالبعد من النظافة، لمخالطة التراب في نقل الأقدام، ومماسة الخف إلى غير ذلك؛ فتبقى اليد والرأس، فكان تقديم اليد أولى: إذ هو آلة التناول ويقع مكشوفا غالبا؛ والرأس في الغالب مستور بكور العمامة؛ ولذلك خفت وظيفته وهو: المسح.
فهذا فن من الكلام مناسب، يتميز عن قول القائل: قدم الوجه لأنه على شكل الاستدارة مثلا؛ إلى غير ذلك: من صفات خلقية تنبو عن الحكم.
إلا أن مثل هذه المعاني- وإن كانت مناسبة -فغير موثوق بها؛ إذ لم يثبت من [جهة] الشرع ملاحظة جنسها، ويتسع التقدير في أمثالها، ولا يضيق طريقها على أي وجه كان، فأنه لو ذكر الترتيب على عكس المعهود: لأمكن أن يعكس هذا المعنى، ولكان يقال: الوضوء للصلاة، والصلاة تقع بعده؛ فأخره غسل الوجه: لأنه أهم الأعضاء بالنظافة، ليكون العهد به- عند الاشتغال بالصلاة -أقرب؛ ولو ابتدأ بالرأس، ثم بالوجه، ثم باليد، ثم بالرجل: لأمكن أن يقال: سببه