فهذه وجوه ثلاثة متباينة المأخذ: في انعدام حكم العلل. والنظر في كل وجه منها يتعلق بأربع قضايا: قضية جدلية، وقضية اجتهادية فقهية، وقضية حقيقية عقلية، وقضية لفظية لغوية. وما من قضية -من هذه القضايا -إلا ولها التفات إلى سائر القضايا المباينة لها. فلأجل التفاتها، واشتباك الوجوه الثلاثة المتباينة -غمض مدرك المسئلة على الكافة، ولم يخل فريق عن إخلال وتقصير: لا طلاقه الكلام الجمال من غير تفصيل، وترتيب وتنزيل على هذه الوجوه المتباينة.
والآن، فإذا بان مظان النظر جملة، فنعود إلى التفصيل، ونبدأ بالوجه الأخير -ففيه معظم النظر والأشكال -فنقول:
إذا انتقضت العلة في صوب جريانها، فهي كقولنا: صوم، فيفتقر إلى تبييت النية؛ فينتفض بالتطوع. وكقولنا: حق مالي، فيورث؛ فينتفض بالأجل. وكقولنا: طهارة، فتفتقر إلى نية؛ فينتفض بإزالة النجاسة. وهذه علل مظنونة مستنبطة. وقد تكون العلة قطيعة إجماعية؛ كقولنا: متماثل الأجزاء، فيضمن بالمثل؛ فيبطل باللبن في مسئلة المصراة. أو نقول: فوت حق الغير، فيضمن. أو لم يجب ضمانه على الغير؛ فيبطل بضرب الدية على العاقلة. وكقولنا: نجس خارج من مسلك معتاد، فينتفض الطهر به؛ فيبطل بدم الاستحاضة، وبول سلس البول.