فإن قيل: إن من مشهور كلام الأصوليين: أن كل علة مستنبطة من أصل، عكرت على الأصل بالتخصص -فهي باطلة. وإن من شرط تعليل الحكم أن لا يتضمن تغييراً لحكم المنصوص عليه. ومهما اقتضت الصيغة العموم، ثم تخصصت بعلة مستنبطة منها -فقد تغير حكم النص، وعكرت عليه العلة بالتخصيص. فكيف جاز ذلك؟
قلنا: الكلمات التي تداولتها الألسنة لا سبيل إلى تقليدها، دون البحث عن مداركها وأدلتها، وإنما إتباع صورها دأب العجزة الذين قعدت بهم البلادة عن الارتقاء إلى بقاع المعاني المعقولة، بالرأي الصائب والذوق السليم، فلازموا -بحكم القصور والعجز -حضيض التقليد، وركنوا إلى ما تداولته الألسنة من غير غوصٍ على خفيات أسرارها، وتشوفٍ إلى العثور على أغوارها.