فإن قال قائل: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يقض القاضي وهو غضبان» ورأيتم أن ذكر وصف الغضب -بعد ورود الأمر بالقضاء -فاصل بين حالة الإباحة والتحريم، فدل أنه علة التحريم؛ ويتجه [فيه] أن يقال: أن الغضب ليس سبباً للتحرير، ولكن [سبب التحريم] ما يتضمنه الغضب: من اختباط العقل، وما يعتريه: من الدهشة المانعة من استيفاء الفكر، والاهتداء إلى وجه الصواب. حتى أن الغضب اليسير المنفك عن هذا الأثر لا يحرم؛ وحتى يلحق به الحاقن والجائع والذي توالي عليه ألم مبرح مدهش، وغير ذلك من الأحوال المشوشة لنظر العاقل. وفي ذلك إلغاء الغضب بالكلية، وإخراج له عن كونه علة: إذ الحكم صار منوطاً بغيره، وصار الغضب ساقط الاعتبار نفياً وإثباتاً. فكيف قلتم: إنه صريح في أصل الاعتبار؟.