[القول في بيان أشكال البراهين النظرية، الجارية في المسائل الفقهية]
والغرض: بيان المسالك الجارية في المسائل التي يعدها الفقهاء قياسية، لا نقلية. فأقول: هذه البراهين ثلاثة: برهان اعتلال، وبرهان استدلال، وبرهان خلف.
أما برهان الاعتلال، فهو: الجمع بين الفرع والأصل، برابطة العلة؛ كما تقدم ذكره في القياس. وشكل هذا البرهان يرجع إلى مقدمتين ونتيجة، وبيانه أنك تقول: المغصوب مضمون. فهذه مقدمة، وتقول: العقار مغصوب. فهذه مقدمة ثانية، فنتيجتهما: أن العقار مضمون. وتقول: المغصوب مضمون، وولد المغصوبة مغصوب: فكان مضمونا. وتقول: المال مضمون بالإتلاف، والمنفعة مال: فتضمن بالإتلاف. وتقول: السارق مقطوع، والنباش سارق: فكان مقطوعا. وتقول: المطعوم ربوي، والسفرجل مطعوم: فكان ربويا.
وكل ذلك راجع- في أول التمهيد- إلى دعوى دخول واحد معين، تحت جملة معلومة. وإن شئت قلت: الطعم علة الربا، والطعم موجود في السفرجل: فجرى الربا فيه. والغصب علة الضمان، وقد وجد في العقار: فوجب الضمان.
وعبارة الفقهاء- في هذا الجنس- أنه مطعوم، فأشبه البر. أو جرى فيه الربا: قياسا على البر. أو مغصوب: فيضمن كالمنقول.
وكل ذلك يرجع إلى دعوى دخول واحد معين، تحت جملة شاملة. وشكله من البراهين العقلية؛ مقدمتان ونتيجة؛ كما تقدم.