ثم قد يفرض النزاع في المقدمة الأولى مع تسليم الثانية؛ كقول الخصم: أسلم أن السفرجل مطعوم. ولكن لا نسلم أن الطعم علة الربا، وأن المطعوم ربوي، بل بعض المطعوم ربوي لا بعلة كونه مطعوما. وقد يسلم [المقدمة] الأولى وينازع في الثانية؛ كقوله: سلمت أن الغصب علة الضمان، ولكن لا نسلم وجود الغصب في العقار وولد المغصوبة والمنفعة. وسلمت أن السرقة علة القطع، ولكن لا أسلم أن النباش سارق.
فإذا وقع النزاع في المقدمة الأولى، لم تثبت إلا بالأدلة الشرعية: فإن المتنازع فيه قضية شرعية، وهو: كون الطعم علة مثلا، فيثبت ذلك: بالنص، أو الإيماء، أو الترتيب على الواقعة، أو الحدوث بحدوث الوصف، أو بالتأثير، وهو: أن يثبت أثره في عين الحكم، في محل آخر، بنص أو إجماع، أو بالمناسبة كما تقدم، أو بالطرد والعكس، أو بالإجماع المنعقد على أنه لابد من طلب علامة، والسبر الواقع بعده في نفي علامة سوى المذكور، كما ذكرناه في مقدمات قياس الشبه. وهو يسمى علة أيضا عند أكثر الأصوليين؛ وإليها أشار كلام الشافعي في الطعم والنقدية.
أما إذا وقع النزاع في المقدمة الثانية، وهو: وجود العلة في الفرع، بعد تسليم كون الوصف علة- فهذا يعرف تارة بالحس: إن كان الوصف حسيا؛ وقد يعرف بالعرف، وقد يعرف باللغة، وقد يعرف [٦٣ - أ] بطلب الحد وتصور حقيقة الشيء في نفسه، وقد يعرف بالأدلة الشرعية النقلية.
مثال الحسي؛ قولنا في الماء الكثير المتغير بالنجاسة- إذا زال تغيره