فهذا وجه المصلحة، وهو من القطعيات: التي لا مرية في اتباعها إذا ظهرت، ولكن النظر في تصوير المصلحة، على الوجه الذي قررناه. فأصل أخذ المال متفق عليه عند العلماء؛ وإنما الاختلاف في وجوب تعيين الاستقراض. وفيما ذكرناه من التفصيل، وما يشفى الغليل.
مثال آخر: فإن قال قائل: إذا رأى الأمام جمعاً من الأغنياء يسرفون في الأموال ويبذرون، ويصرفونها إلى وجوه من الترفه والتنعم، وضروب من الفساد؛ فلو رآى المصلحة في معاقبتهم: بأخذ شئ من أموالهم، ورده إلى بيت المال، وصرفه إلى وجوه المصالح فهل له ذلك؟
قلنا: لا وجه له؛ فإن ذلك عقوبة بتنقيص الملك وأخذ المال؛ والشرع لم يشرع المصادرة في الأموال عقوبة على جناية، مع كثرة الجنايات والعقوبات؛ وهذا ابداع [أمر] غريب [لا عهد به، وليست المصلحة فيه متعينة؛ فإن العقوبات والتعزيرات مشروعة بإزاء الجنايات]، وفيها تمام الزجر، فأما المعاقبة بالمصادرة، فليس من الشرع. وليس هذا كالمثال السابق، فإن الأموال مأخوذة بطريق ايجاب الانفاق منهم على جند الإسلام لحماية مصلحة الدين والدنيا، لا بطريق العقاب؛ ومسالك الإنفاق