النوع الثاني من ذلك: ما عرف مناط الحكم فيه بالإجماع، ثم سنحت واقعة تركبت من مناطين ازحما عليه، فتتجاذب أطراف الكلام في الترجيح. وهذا ينقسم: إلى ما يزدحم عليه المناطان المتناقضان، فيوجد كل مناط على كماله بتمام صورته. وإلى ما يتركب منهما، فيكون ممزوجا في ذاته، متركب المزاج من القسمين؛ فيتكلم فيه بالتغليب بالشوائب.
أما مثال القسم الأول: فكنظرنا في أن قيمة العبد هل تضرب على العاقلة؟ وهي تتقدر في نفسها؟ وذلك: لأن الإجماع منعقد على أن بدل الدم مقدر، وأن بدل المال غير مقدر، وقد ازدحم على العبد كلاهما؛ فهو إنسان كامل حامل لأمانة الله تعالى ومكلف كالأحرار؛ وهو مال متحول كالفرس والثوب. فمن قدر: لم يخرج عن تقدير بدل الدم، وهو مناط التقدير بالاتفاق. ومن لم يقدر: لم يخرج عن ترك التقدير في بدل المال، وهو علامة لعدم التقدير. ولكن ازدحمت علامتان: تناقض حكمها، وعلم كونهما علامة بالإجماع. فكانت العلامة في أصلها معلومة كونها مناطا، ومعلوم الوجود في المسئلة، فيتعين طريق الترجيح على كل قائل بالقياس.
وكذلك القول في ضرب بدله على العاقلة. وكذلك القول في أنه