والملائم مقدم على الغريب. ولكن المناسب الغريب -أيضاً - حجة؛ ويتضح وجهه بالانفصال عما نصرنا به الجانب الآخر. فأما التمسك بإجماع الصحابة، وأنه لم ينقل عنهم هذا الفن -فلا حجة فيه. ولا يستبين ذلك إلا بسبر جميع مسائلهم.
وعلى الجملة: المفهوم من الصحابة اتتباع المعاني، والاقتصار في درك المعاني على الرأي الغالب، دون اشتراط درك اليقين؛ فإنهم حكموا في مسائل مختلفة، بمسالك متفاوتة الطرق ومتباينة المناهج؛ لا يجمع جميعها إلا الحكم بالرأي الأغلب الأرجح؛ وهو المراد بالاجتهاد الذي قرر النبي -عليه السلام -معاذاً عليه. فعلينا أن نبين [أن] هذا يفد غلبة الرأي.
وأما ما ذكروه -: من أن الدواعي إنما تعرف بالعادة المألوفة، وأن من عرف منه مقابلة الإساءة بالإحسان، لا يعلل أمره بالضرب، بالشتم المعلوم -قلنا: نعم؛ وما عرف -أيضاً -من عادة الشرع نقيضه، فلا يجوز التعليل به. ولكن في هذا المقام ثلاث مراتب، لابد من التنبيه لتقاطعها؛
أحدها: أن يعرف من عادته الضرب والعقاب بجنسه، فيظهر التعليل بالشتم.