فإن قيل: شرطتم في المصالح أن تكون ملائمة؛ وليست هذه ملائمة: فالشرب جناية متميزة عن القذف، وليست كل من يسكر يقذف؛ فايجاب حد جريمة على من [لم يجترمها] أمر غريب [في الشرع]، ولا يشهد له نظير، ولا تلائمه قاعدة.
قلنا: ليس الأمر كذلك؛ فإنهم أبوا أولاً أن يعاقبوه بعقوبة لم تعهد مشروعة من جهة الشرع؛ ولو كانوا يسوغون ذلك: لما افتقروا إلى التشبيه بحد مشروع ولو كل ذلك إلى رأي الولاة حتى يفعل [كل وال] في كل شخص ما يراه زاجراً في حقه، لائقا بحاله، جامعا لمصلحته؛ فطلبوا أولا حدا مشروعا، وتشوفوا فيه إلى أحط الدرجات في الحدود: اكتفاء بالأقل ما أمكن. ففي شرع العقوبات نوع من الخطر، وألفوا أقل على من لم [يجترمها]: ما لم يطلبوا مناسبة بين جريمته وبين تلك الجريمة؛ فإن ذلك يؤدي إلى إبداع أمر غريب لا يلائم [نظائر] الشرع، فطلبوا المناسبة، بأن قالوا: من سكر وهذى، ومن هذى افترى؛ فعليه حد المفترى: من حيث أن السكر مظنة الهذيان والافتراء وإطلاق اللسان بالسخف. وقد عهد في الشرع إقامة مظان الأمور مقام الأمور المقصودة: في إفادة الأحكام؛ فأقيم النوم - الذي هو مظنة خروج الحدث - مقام الحدث،